هل السرطان مرض وراثي؟
يعد السرطان السبب الثاني للوفاة عالميًا، حيث تسبب في وفاة ما يقرب من 10 مليون شخص حول العالم وفقًا لأحدث إحصائيات منظمة الصحة العالمية، والتي أوضحت أيضًا تصدّر بعض أنواع السرطان قائمة السرطانات الأكثر شيوعًا، منها سرطان الرئة وسرطان البروستاتا وسرطان المعدة وسرطان القولون وسرطان الكبد بين الرجال، وسرطان الثدي وسرطان عنق الرحم وسرطان الغدة الدرقية في النساء إلى جانب سرطان القولون وسرطان الرئة.
قد يظهر نوع أو أكثر من تلك السرطانات لدى أكثر من فرد في العائلة الواحدة، فهل هذا يعني أن السرطان وراثي أم ناتج عن عوامل بيئية؟ وهل جميع أنواع السرطان ناتجة عن عوامل وراثية؟
سنتعرف في هذا المقال على مدى مساهمة العوامل الوراثية في الإصابة بالسرطان وأهمية الاستشارة الوراثية والفحص الجيني في الوقاية من السرطان وتشخيصه مبكرًا وتغيير طرق علاجه.
كيف يبدأ السرطان؟
قد يحدث خلل في الجينات المسؤولة عن نمو خلايا الجسم، مما يؤدي إلى نموها بشكل كبير لا يمكن التحكم فيه وتحولها إلى أورام. تختلف تلك الأورام من حيث سرعة نموها ومعدل انتشارها والخيار العلاجي المناسب لها، فقد تنمو ببطء دون أن تنتشر في أنحاء الجسم وتسمى الأورام الحميدة والتي عادةً ما لا تظهر لها أي أعراض إلا في حالة نموها بشكل غير طبيعي مما يؤدي إلى تحولها إلى ورم خبيث في بعض الأحيان. يمكن علاج الأورام الحميدة بالجراحة أو العلاج الإشعاعي أو الأدوية فقط حسب الحالة.
من ناحيةً أخرى، قد تنمو الأورام بسرعة كبيرة وتنتشر في أجزاء أخرى من الجسم مسببةً أنواع أخرى من الأورام وتسمى الأورام الخبيثة أو السرطان وقد تعالج بالعلاج الكيميائي أو الإشعاعي أو الجراحة وغيرها من علاجات السرطان المتاحة وقد يتطلب الأمر التدخل بأكثر من خيار علاجي حسب ما تقتضيه الحالة.
العوامل الوراثية والبيئية والسرطان
ينشأ السرطان عن خلل في الجينات المسؤولة عن نمو خلايا الجسم تسمى التغيرات الجينية أو الطفرات، كما ذكرنا سابقًا. هذه التغيرات الجينية قد تحدث بسبب:
1. عوامل بيئية مثل التدخين أو التعرض للكيماويات والإشعاعات (مثل الأشعة فوق البنفسجية الواردة من الشمس).
2. عوامل وراثية عن طريق توارث نسخة من الجين الذي حدث فيه التغير من أحد الأبوين، مما يزيد من خطر إصابة أكثر من فرد بالعائلة بالسرطان.
تساهم العوامل الوراثية في أكثر من 10% من حالات السرطان وقد يسبب التغير في الجين الواحد عدة أنواع من السرطان، فمثلاً:
- التغير في جين BRCA1 أو BRCA2 يزيد من خطرالإصابة بسرطان الثدي وسرطان المبيض وسرطان البروستاتا وسرطان البنكرياس والميلانوما.
- التغير في جين MLH1 أو MSH2 أو MSH6 يزيد من خطر الإصابة بسرطان البنكرياس وسرطان البروستاتا وسرطان القولون وسرطان بطانة الرحم.
- التغير في جين ATM يزيد من خطر الإصابة بسرطان الثدي والبروستاتا والبنكرياس.
- التغير في جين PTEN يزيد من خطر الإصابة بسرطان الكلى وسرطان القولون وسرطان الرحم وسرطان الثدي وسرطان الغدة الدرقية والميلانوما.
- التغير في جين STK11 يزيد من خطر الإصابة بسرطان عنق الرحم وسرطان الرئة وسرطان الثدي وسرطان المعدة وسرطان البنكرياس وسرطان المبيض وغيرها من السرطانات.
- التغير في جين TP53 يزيد من خطر الإصابة بسرطانات الأطفال وسرطان الدم (اللوكيميا) وسرطان الدماغ وسرطان الغدة الكظرية وسرطان الكبد وسرطان القولون وسرطان البنكرياس.
وجود تلك التغيرات الجينية لدى الشخص لا يعني أن احتمالية إصابته مؤكدة بنسبة 100% لكن تزيد من خطر إصابته بها أو إصابة أبنائه في المستقبل، لذلك الفحوصات الدورية واستشارة الطبيب ضرورية للوقاية مبكرًا.
أهمية الفحص الجيني في الوقاية من السرطان والتشخيص المبكر
يساهم الفحص الجيني بشكل كبير في:
الوقاية والتشخيص المبكر للسرطان
يمكن من خلال الفحص الجيني تحديد التغيرات الوراثية المسببة للسرطان أو التي قد تزيد من خطر الإصابة به، لتقديم التوصيات اللازمة للأفراد والعائلات. يمكن أيضًا من خلال الفحص الجيني تحديد احتمالية عودة إصابة المتعافي من السرطان من خلال الكشف عن أي تغيرات وراثية أخرى مسببة لنفس نوع السرطان الذي تعافى منه أو أي نوع آخر من السرطان.
اختيار العلاج المناسب للسرطان (العلاج الشخصي)
يعمل الفحص الجيني على اكتشاف التركيبة الجينية للمريض والتغيرات الحادثة فيها المسببة للسرطان والتي قد تؤثر على مدى الاستجابة للعلاج وفعاليته من شخص لآخر، مما يساعد الطبيب في تحديد الخيار العلاجي المناسب للمريض وتقليل الآثار الجانبية غير المرغوبة للعلاجات الأخرى لزيادة فرص الشفاء. فمثلاً قد يتضح من التشخيص المبدئي لمريض السرطان أنه يحتاج لإجراء جراحة لاستئصال الورم ولكن بعد إجراء الفحص الجيني قد يستبدل الطبيب هذا الخيار بعلاج السرطان الموجه أو العلاج الكيميائي أو غيره من الخيارات العلاجية المناسبة لحالة المريض.
تحديد احتمالية تكرار الإصابة بالسرطان في العائلة
يساعد الفحص الجيني في تحديد مدى احتمالية تكرار إصابة أفراد آخرين من أفراد العائلة (وخاصةً أقارب الدرجة الأولى) بنفس نوع السرطان المكتشف لدى الفرد أو أنواع أخرى من السرطان بناءً على نوع التغيرات الوراثية المكتشفة المسببة للسرطان لتقديم التوصيات اللازمة لأفراد العائلة والتي قد تشمل إجراء الفحص الجيني لهم أو وضع خطة شاملة للوقاية من السرطان.
تطوير علاجات جديدة للسرطان
اكتشف العلم حتى الآن أكثر من 100 نوع من السرطان ويمكن من خلال الفحص الجيني اكتشاف المزيد من الجينات التي تؤدي التغيرات فيها إلى الإصابة بأنواع أخرى السرطان، لتكوين نظرة أكثر شمولاً عن كيفية مساهمة تلك التغيرات في الإصابة بالسرطان وتطوير خيارات علاجية أكثر فعالية.
توصي الجمعية الأمريكية للسرطان بضرورة إجراء الفحص الجيني في الحالات التالية:
1. المصاب بالسرطان
- إذا كنت مصابًا بالسرطان قبل عمر 50.
- إذا كان لديك فرد أو أكثر من الدرجة الأولى (الأب، أو الأم، أو الأخوة) مصاب بالسرطان.
- إذا كنت مصابًا بأنواع نادرة من السرطان، مثل سرطان البنكرياس وسرطان البروستاتا وسرطان الثدي بالرجال.
- إذا كنت مقبلاً على إجراء جراحة لتقليل فرص انتشار السرطان (مثل استئصال القولون أو الثدي) لتحديد العلاج والإجراء المناسب بناءً على نوع التغيرات الجينية لديك.
- إذا كان لديك أقارب مصابين بسرطانات معينة (مثل سرطان البنكرياس وسرطان البروستاتا).
- إذا كان لديك أكثر من فرد من الدرجة الأولى (الأب، أو الأم، أو الأخوة) مصاب بالسرطان.
- إذا كان لديك قريب مصاب بأكثر من نوع من السرطان.
- إذا كان لديك قريب أصيب بالسرطان قبل عمر 50.
تجدر الإشارة أن نوع الفحص المناسب يتوقف على الحالة الصحية وتاريخ العائلة مع مرض السرطان أو أي متلازمات وأمراض وراثية أخرى تزيد من احتمالية الإصابة بالسرطان، لذلك ينصح بالاستشارة الوراثية للتوجيه للإجراء المناسب.
الاستشارة الوراثية والسرطان
تساعد الاستشارة الوراثية في التوجيه للإجراء المناسب وترشيح الفحص الجيني الأشمل بناءً على المعلومات المقدمة عن الحالة الصحية لك ولعائلتك، وتساهم الاستشارة الوراثية أيضًا في تحديد مدى تكرار الإصابة بالسرطان في العائلة. لا يقتصر دور المستشار الوراثي على مرحلة ما قبل الفحص فحسب، بل يساعدك في فهم نتائج الفحص لإعطائك التوصيات والتوجيهات اللازمة وتقديم الدعم النفسي اللازم لك.
يقدم مركز إنيجما للطب الجيني الفحص الجيني الشامل للسرطان والذي يغطي 109 جين مرتبط بأنواع السرطان المختلفة المكتشفة حتى الآن، بالإضافة إلى خدمة الاستشارة الوراثية عن بُعد قبل وبعد الفحص، لمساعدتك في رحلة الحفاظ على صحتك وصحة عائلتك.