
الجينات والصحة الإنجابية | كيف يساعد تحليل الكروموسومات في حل لغز العقم والإجهاض المتكرر؟
تحليل الكروموسومات هو فحص جيني يهدف إلى الكشف عن الخلل في عدد أو بنية الكروموسومات، أي يحدد إذا كان هناك زيادة أو نقصان في عدد الكروموسومات أو تشوهات في بنيتها تؤثر على وظيفتها، والتي قد تكون سببًا في الإجهاض المتكرر، تأخر الإنجاب، أو بعض أنواع العقم لدى الرجل أو المرأة.
سنسلط الضوء في هذا المقال على مفهوم الكروموسومات، وأنواع تحاليل الكروموسومات وفائدتها للرجل والمرأة، ومتى يُنصح بإجراء تحليل الكروموسومات، ودور الاستشارة الوراثية قبل وبعد الفحص، وختامًا سنشارك أحد تجارب عملائنا مع تحليل الكروموسومات وكيف ساعده في تحقيق حُلم الإنجاب.
ما هي الكروموسومات وما الفرق بينها وبين الجينات؟
في أعماق كل خلية من خلايا جسمنا، تسكن الكروموسومات، وهي عبارة عن مجموعات صغيرة ومرتبة من المادة الوراثية المعروفة بالحمض النووي (DNA)، هذه المادة هي التي تحمل الخريطة المسؤولة عن تحديد صفاتنا الجسدية والحيوية، مثل لون العينين، الطول، وحتى الاستعداد للإصابة ببعض الأمراض. عادةً يمتلك الإنسان 46 كروموسومًا (23 زوجًا)؛ نصفها موروث من الأب والنصف الآخر من الأم.
أما الجينات فهي أجزاء أصغر تقع على امتداد الكروموسومات، وتشبه التعليمات أو الرموز التي تخبر خلايا الجسم كيف تعمل، وتنمو، وتنتج البروتينات اللازمة لوظائف الجسم، أي يمكننا تشبيه الكروموسوم بالكتاب الكبير، بينما تمثل الجينات الفصول أو الصفحات في هذا الكتاب التي تحتوي على المعلومات التفصيلية.
بهذا الشكل، تعمل الكروموسومات كحافظة كبرى للمعلومات الوراثية، بينما تتحكم الجينات في التعليمات الدقيقة التي تجعل أجسادنا تعمل وتنمو وتستجيب للحياة. أي خلل في هذا التوازن قد يقود إلى اضطرابات تؤثر على صحتنا، ومن بينها الإجهاض المتكرر أو تأخر الإنجاب.
أنواع فحوصات الكروموسومات
المشكلات المتعلقة بالحمل والعقم متعددة الأسباب، ومن أهمها الأسباب الوراثية. أبرزها، تغيُّرات في عدد أو بنية الكروموسومات قد تفسر حالات الإجهاض المتكرر أو بعض أنواع تأخر الإنجاب والعقم. معرفة وجود خلل كروموسومي تساعد الطبيب على تحديد الفحوصات المناسبة، وشرح آثاره أو مدى تكراره على المدى البعيد، والتوصية بالخيارات الإنجابية المناسبة (مثل زراعة أطفال الأنابيب IVF). من أبرز تحاليل الكروموسومات:
تحليل الكروموسومات (Karyotyping)
يُعتبر أكثر الفحوصات شيوعًا، حيث يوضح عدد الكروموسومات وشكلها وترتيبها، لاكتشاف أي زيادة أو نقص أو تغيّر في تركيب الكروموسومات، ويتم عادةً بعينة دم.
ماذا يكشف؟
- المتلازمات الوراثية الناتجة عن زيادة أو نقص في عدد الكروموسومات، مثل: متلازمة داون، وتيرنر، وإدوارد، وباتاو.
- تغيّرات كبيرة في شكل الكروموسومات أو تبادلات بين أجزاء منها، مثل:
- التبادل المتوازن (Balanced translocation): فيه تنتقل أجزاء من كروموسوم إلى آخر من غير فقد أو زيادة في المادة الوراثية. غالبًا لا يسبب أعراض عند الشخص الحامل له، لكن قد يؤدي إلى إجهاض متكرر أو مشاكل في الإنجاب.
- التبادل غير المتوازن (Unbalanced translocation): يؤدي إلى فقد أو زيادة في بعض أجزاء الكروموسومات، وغالبًا ما يسبب تشوهات خلقية أو تأخر في النمو عند الأطفال.
متى يُنصح به؟
- يُطلب عادةً للزوجين في حالات الإجهاض المتكرر، للكشف عن التغيرات المسببة للتبادل المتوازن (balanced translocation) ، والتي تزيد من خطر ولادة أجنة بها تشوهات خلقية حسب توصيات الجمعية الأمريكية للطب التناسلي ( ASRM).
المزايا والقيود
- يعطي صورة شاملة عن الحالات الكبيرة من اختلال الكروموسومات.
- لا يكشف عن التغيرات الدقيقة، ويتطلب عادة زراعة خلايا (أحيانًا تفشل الزراعة في عينات الأجنة المتحللة).
تحليل المصفوفة الكروموسومية (Chromosomal Microarray)
هو فحص وراثي جزيئي يقيس نسخ أجزاء من الحمض النووي في الجينوم بالكامل، من حيث حذف أو تكرار أجزاء قليلة من المادة الوراثية (Copy Number Variants) بدقة أعلى بكثير من فحص الكاريوتايب. يُجرى عادةً بعينة دم.
ماذا يكشف؟
- حذف أو تكرار أجزاء صغيرة من الحمض النووي قد تكون مسؤولة عن تشوهات بالجنين أو أسباب فقد الحمل.
متى يُنصح به؟
- موصى به بشكل خاص في تشخيص الجنين عندما يُظهر السونار تشوّهات في بنية الكروموسومات لدى الجنين، وفي تقييم أنسجة الحمل (Products of Conception) أو حالات وفاة الأجنة، لتشخيص سبب الإجهاض.
المزايا والقيود
- دقة أعلى لاكتشاف التغيُّرات الدقيقة في الكروموسومات قد يكون تأثير صحي كبير، وعملي في تحليل أنسجة الجنين المتحللة.
- قد ينتج عنه نتائج غير مؤكدة (Variants of Uncertain Significance — VUS) التي تحتاج لتفسير متخصص، ولا يكشف عن التغيرات الكروموسومية المتوازنة (balanced rearrangements) .
الفحص الموضعي (FISH)
فحص سريع يستخدم مجسات ضوئية تستهدف منطقة محددة من الكروموسوم ليتأكد من وجودها أو عدمه. يُجرى عادةً بعينة دم.
متى يُنصح به؟
- عندما يكون هناك شك في مشكلة محددة (مثل وجود كروموسومات معينة مفقودة/مكررة).
- فحص تكميلي لتأكيد نتيجة مشتبه بها (مثل متلازمة داون). كما يمكن استخدامه في تحليل الحيوانات المنوية (sperm-FISH) لتقييم نسبة الخلل الكروموسومي في الحيوانات المنوية في بعض حالات العقم أو الفشل المتكرر لعمليات زراعة أطفال الأنابيب.
المزايا والقيود
- فحص سريع ودقيق لمناطق محددة من الكروموسومات، لتأكيد تشخيص الحالات المشتبه بها.
- نطاق الفحص محدود على مناطق معينة من الكروموسومات لا يفحص كامل الجينوم بدقة، لذلك لا يُستخدم كفحص شامل.
فحص Y Chromosome Microdeletion
فحص وراثي جزيئي للكشف عن فقدان أجزاء صغيرة من كروموسوم Y لدى الرجال، وبالأخص مناطق تُسمى AZFa, AZFb, AZFc، المرتبطة بإنتاج الحيوانات المنوية. يُجرى عادةً بعينة دم.
متى يُنصح به؟
- في حالات الانعدام التام للحيوانات المنوية (azoospermia) أو الانخفاض الشديد في عددها (severe oligospermia) خاصةً إذا ترافق ذلك مع دلائل ضعف إنتاج منوي مثل ارتفاع هرمون FSH أو ضمور الخصية.
فحص الأجنة قبل الحقن المجهري PGT-A (Preimplantation Genetic Testing for Aneuploidy)
فحص يُجرى في حالات أطفال الأنابيب عن طريق أخذ عيّنة صغيرة من خلايا الجنين وفحص عدد الكروموسومات فيها قبل إرجاع الجنين إلى الرحم. يهدف للكشف عن أجنة ذات عدد طبيعي من الكروموسومات (Aneuploidy) وتقليل خطر الإجهاض المتكرر الناتج عن وجود خلل في كروموسومات الجنين بالزيادة أو النقصان.
هل يُنصح به لكل الحالات؟
- توصي الجمعية الأمريكية للطب التناسلي (ASRM) باستخدامه بحذر في بعض الفئات، مثل النساء الأكبر سنًا أو حالات الإجهاض وفشل الأجنة المتكررة. حيث قد يحسّن من احتمالية نجاح الحمل، لكن هناك جدل علمي حول دقته ونطاق استخدامه، لذلك يجب شرح المزايا والقيود مع الحالة قبل إجراءه.
كيف يساعد تحليل الكروموسومات في حالات الإجهاض المتكرر؟
تقدّر الدراسات أن نسبة كبيرة من حالات الإجهاض المتكرر تعود إلى اختلالات كروموسومية لدى أحد الزوجين أو إلى خلل عشوائي في الأجنة. معرفة ما إذا كان سبب الإجهاض هو اضطراب كروموسومي تساعد مقدمين الرعاية الصحية في اتخاذ قرار بإجراء الفحوصات المناسبة للزوجين، مثل زراعة أطفال الأنابيب (IVF)، أو المتابعة الطبية المتخصصة.
كيف يساهم تحليل الكروموسومات في علاج تأخر الإنجاب والعقم لدى الرجل والمرأة؟
- للرجل: التغيرات الكروموسومية المسببة لبعض المتلازمات الوراثية المؤثرة على القدرة على الإنجاب لدى الرجال، مثل متلازمة كلاينفلتر(XXY) تُعدّ من الأسباب الجينية الشائعة لعقم الذكور أو انخفاض عدد الحيوانات المنوية. الكشف المبكر من خلال تحليل الكروموسومات يُساعد في تحديد الخيارات العلاجية المناسبة، مثل التبرع بالحيوانات المنوية أو تقنيات استخراج الحيوانات المنوية.
- للمرأة: التشوهات في بنية الكروموسومات أو عددها لدى أحد الزوجين قد تؤدي إلى عدم إمكانية زرع الأجنة صناعيًا أو حدوث الإجهاض المتكرر؛ تحليل الكروموسومات للزوجين يحدد ما إذا كان هناك خطر وراثي متكرر يبرر اللجوء إلى تقنيات إنجاب مساعدة.
متى يُنصح بعمل تحليل كروموسومات؟
- وجود تاريخ شخصي مع الإجهاض المتكرر.
- حالات العقم الشديد أو قلة الحيوانات المنوية عند الرجل.
- وجود تشوهات خلقية سابقة في الأجنة أو الأطفال.
- قبل أو خلال إجراءات التلقيح الصناعي (IVF) بعد استشارة مقدم رعاية صحية مختص.
رحلة الأمل: دور تحليل الكروموسومات في تشخيص الإجهاض المتكرر
إحدى السيدات كانت تعاني من ثلاث حالات إجهاض متكرر دون سبب واضح رغم أن كل الفحوصات الروتينية أظهرت نتائج طبيعية. بعد إجراء تحليل الكروموسومات (Karyotyping) لها وللزوج، اكتشف الأطباء وجود خلل بسيط في الكروموسومات لدى الزوج، مما استدعى عمل فحص Y chromosome Microdeletion للزوج، وتم تأكيد النتيجة بوجود خلل في الكروموسوم Y يؤثر على قدرته على الإنجاب.
تمت إحالة الزوجين إلى استشارة وراثية، حيث وُضعت خطة علاج تضمنت استخدام التلقيح الصناعي (IVF) وبفضل هذه الخطوات، نجحت السيدة في الحمل ورُزقت بطفل سليم.
هذه التجربة تبيّن أن تحليل الكروموسومات قد يكون المفتاح لفهم السبب الحقيقي وراء الإجهاض المتكرر وتأخر الإنجاب، ويمهّد الطريق لتحقيق حلم الأبوة والأمومة.
الاستشارة الوراثية
تساعد الاستشارة الوراثية في التوجيه للإجراء المناسب وترشيح تحليل الكروموسومات الأنسب بناءً على المعلومات المقدمة عن الحالة الصحية لك ولعائلتك. لا يقتصر دور المستشار الوراثي على مرحلة ما قبل الفحص فحسب، بل يساعدك في فهم نتائج الفحص لإعطائك التوصيات والتوجيهات اللازمة وتقديم الدعم النفسي اللازم لك.
يوفر مركز إنيجما تحاليل كروموسومات شاملة، مثل فحص الكاريوتايب، وفحص FISH، وفحص المصفوفة الكروموسومية (Chromosomal Microarray)، وفحص التحقق من حذف أجزاء من الكروموسوم Y (Y chromosome Microdeletion)، بالإضافة إلى باقات الفحص الشاملة للأمراض الوراثية التي قد تسبب تأخر الإنجاب، مثل فحص ما قبل الزواج والحمل الذي يغطي أكثر من 7000 مرض وراثي والفحص الجيني الشامل (الجينوم) الذي يغطي أكثر من 7500 مرض وراثي وفحص الإكسوم الذي يغطي 7000 مرض وراثي، لمساعدتك في تحقيق حلم إنجاب أطفال أصحاء.